أقول ولست بأفضل من يقول في تعريف التضخم , أن هذا المصطلح مرتبط بحياتنا ارتباطا وثيقا .
وغالب الناس يمنع نفسه من التعرف على هذا المصطلح بحجة انه اختصاصه ليس اقتصادي !
دعونا نلقي نظرة بسيطة عن التضخم من دون دخول في التفاصيل والتعقيدات .
ماذا يعني التضخم ؟
التضخم أنواع ومسببات , ولكن بشكل مبسط جدا وسهل هو انخفاض القوة الشرائية للريال . كيف يعني ؟
انت في عام 2007 تشتري السلعة ب20 ريال وفي هذه السنة تشتريها ب25 ريال !
كيف انخفضت القوة الشرائية للنقد (الريال) ماذا حدث ؟
هل ارتفع سعر السلعة ؟ أم انخفضت قيمة الريال ؟
بوضوح أكثر , قديما يقول آبائنا انهم يشترون سلع كثيرة تصل الى 7 قطع أو اكثر (خبز وشوي علف وحلاو) بأقل من ريال واحد , واليوم نفس هذه السلع تشتريها ربما ب30 ريال .
هذا هو التضخم . التضخم يجمع سعر السلعة وانتاجها وقيمة النقد التي تشترى فيها هذه السلعة , فهو مصطلح كبير .
التضخم موجود في اقتصاد كل دولة ويزداد كل سنة ولكن بمعدلات طبيعية وعادية , ويحسب التضخم بالنسبة المئوية مثلا 5% او 2% .
والتضخم الطبيعي في اقتصاد اي دولة يكون 1% ويصل 2% , واذا ارتفع يكون نذير خطر .
كيف 1% او 2% ؟ كيف يتم احتساب هذي النسبة ؟
احتسابها سهل جدا , كما قلنا سابقا ولننظر الى تضخم سعر سلعة مثلا , لو أن هناك سلعة انت تشتريها عام 2007 ب100 ريال وفي عام 2008 وصلت 102 ريال , هنا يكون تضخم سعر السلعة 2% . أي زيادة وتضخم السعر بريالين عن السنة الماضية .
لماذا وكيف يحصل التضخم ؟
التضخم يكون بزيادة كمية النقود في البلد مع ثبات او نقص كمية السلع في البلد نفسه .
يعني لو قرية صغيرة فيها عشرة محلات تبيع شتى أنواع واصناف السلع , والناس يشترون من هذه المحلات كل مايريدون بأسعار ثابته . حجم المال المتداول في القرية مثلا 100 ألف ريال , يعني الناس والباعة يتداولون هذه المئة ألف خلال السنة بواسطة البيع والشراء . لو جاء تاجر للقرية وأعطى الناس كلهم مبالغ مالية لتحسين الحياة . هنا يزيد حجم المال في القرية عن 100 ألف , لذا ستزيد أسعار السلع في محلات القرية العشرة . لأن المال زاد والسلع المعروضة لا زالت ثابته .
لو أخذنا مثال آخر , لو أن هناك أقلام في المكتبة وسعر القلم ريال واحد , وانت معك 100 ريال . تستطيع أن تشتري 10 أقلام بعشرة ريالات ويبقى معك 90 ريال . وهكذا الناس كلهم لديهم تقريبا نفس حجم المال . طيب لو كان معك 1000 ريال ومع غيرك كذلك وزادت حاجة الناس للاقلام وهي بنفس كميتها في المكتبة , ستجد ان الناس وانت منهم مستعد على ان تشتري القلم بريالين , لأن قيمة القلم لا تشكل شي مقابل 1000 ريال . بمعنى ان صاحب المكتبة مهما زاد السعر ستجد ان المشتري يدفع ولا يبالي لأنه محتاج .
وكذلك قيمة الرز والخبز في بعض المناطق وغيرها بكثير من السلع .
في السعودية , الرواتب مع الناس هي نفسها , والسلع تقريبا نفسها او اقل , اذا لماذا يحدث التضخم !
التضخم لا يتم احتسابه بمجرد النظر الى دخل الفرد او العائلة (الراتب) , التضخم يحسب بكمية النقود في البلد , كما هو الحال في مثال القرية سابقة الذكر .
ربما يقول قائل ان حجم المال في السعودية هو نفسه بل ربما نقص بعد انهيارات سوق الأسهم .
نقول انتظر !
الآن البنوك تضخ كم هائل من النقد في البلد (السيولة) , مثلا انت موظف راتبك 5000 ريال , تذهب للبنك تريد تمويل ب100 ألف سيعطونك بمعدل زيادة سنوية 3% تقريبا . يعني لو أردت سداد هذ المبلغ خلال 10 سنوات سترد المبلغ للبنك بواقع 130 ألف ريال . بهذه الطريقة سيبادر الكل ان يحصل على تمويل بنكي بهذه المعدلات المنخفضة .
قبل سنوات , كانت المعدلات في بعض البنوك تلامس 9% في السنة , ولكن انخفضت رغبة بجذب العملاء للبنوك .
الآن صاحب المرتب القليل سيحصل على تمويل بالآلاف والتاجر سيحصل على تمويل بالملايين .
لذلك نجد كثيرا من الناس يمول نفسه وعائلته وزواجه أو زواج ابنائه بشراء سيارات وإعادة بيعها في السوق . وهو قد اشترى السيارة بالتقسيط من أحد البنوك بزيادة طفيفة في السنة .
ونرى كذلك سيارات جديدة بكمية كبيرة في البلد , ويتسائل البعض (من وين لهم السيارات وهو يشتكون قل الراتب) . أيضا نجد السفريات في العطلة الصيفية والأعياد تكثر والبعض يخرج خارج المملكة بمجرد وجود عطلة لعشرة أيام فقط . كما حدث في آخر عطلة وقد نفذت حجوزات الطيران والفنادق في بعض الدول المجاورة من دخول حجم هائل من المصطافين السعوديين . ونستغرب من وجود المال معهم وهم يشتكون دائما , والبعض منهم يمول نفسه للسفر من خلال تقسيط سيارة وبيعها في السوق .
ايضا هناك طريقة أخرى لزيادة كمية النقد أو على الأقل زيادة سعر السلعة , وهو الدين أو البيع بالآجل , أو ماتسمى أيضا البطاقات الائتمانية . يستطيع أي شخص لديه بطاقة إئتمانية وليس لديه كمية كافية للنقود أن يشتري أي سلعة يريدها دون دفع قيمتها , ويمهله البنك مدة 30 أو 60 يوم للسداد وربما أقل أو أكثر .
وبعض التجار والأسواق والمحلات ترفع سعر السلعة بمجرد أن العميل اشتراها من خلال البطاقة الإئتمانية .
هنا تزيد كمية النقد في البلد وترتفع اسعار السلع , مع أن بعض الناس قد أخذ درس قاسي من سوق الأسهم إلا ان اغراءات البنوك لازالت تجذب الكثير من العملاء . هذا من جانب اقتصادي .
وهناك جانب تجاري من قبل تجار السلع انفسهم , وهم بدورهم يرفعون الأسعار في ظل وجود التضخم .
وهو جانب خطير , حيث أن زيادة دخل الفرد سوف يشجع السوق على زيادة الأسعار . كما هو الحاصل الآن .
وكثير من الناس تطالب برفع الرواتب مثل بعض الدول الى 30% و اكثر .
ولكن الدولة رفعتها 5% فقط . وهو حل جيد , لأن الدولة لا تريد زيادة الهم همين على المواطن ورفع أسعار السلع , لأن السلعة سوف تزيد بمجرد زيادة دخل المواطن , وهو كما ذكرنا هو من جانب تجاري .
لأن رفع دخل الفرد العامل بالحكومة ليس حلا ناجعا لمواجهة التضخم . فلو تم أخذ نسبة موظفي الدولة من عدد جميع المواطنين لوجدنا أنهم يشكلون جزء ليس بالغالبية العظمى . فزيادة الرواتب لهم قد يضر بغيرهم من موظفي القطاع الخاص والعاطلين وطلبة الجامعات والكليات .
ولكن لمواجهة التضخم بجانب رفع الرواتب بنسبة بسيطة , يجب وضع حدود لاسعار السلع والمساكن والأراضي خصوصا المعد للتأجير منها , أو يكون ارتفاع معقول مقابل الارتفاع السنوي المعتاد كنسبة 5% فقط أو لا يكون .
فالتاجر الآن لا يوقفه سقف أعلى للسعر والمؤجر لا يوقفه سقف أعلى لرفع الآجار وكذلك الشقق السكنية والفنادق وغيرها .
أيضا هناك نقطة بين التجار انفسهم , وهي العقود التي بينهم .
مثلا لو أن محل مفروشات (غرف نوم , كنبات , طاولات , وغيرها) , كان يبيع الكنب ب1000 ريال . معروف ان الكنب يحوي قماش وخشب وبلاستيك , ومحل المفروشات يشتري هذه المواد من تجار الأقمشة والخشب والبلاستيك ثم يركبها عنده ويبيعها لك . لكن لو رفع تاجر القماش سعر المتر وتاجر الخشب كذلك والبلاستيك رفع سعر الكيلو أو الطن ورفع أيضا تاجر النقليات سعر نقله للمواد . سنجد حتما ان بائع المفروشات سوف يرفع سعره لمواجهة هذا الغلاء , وسيكون الضحية هو المشتري المواطن .
أيضا لا يوجد سقف أعلى للارتفاع بين التجار ولا يوجد إلتزام و إلزام بالعقود .
ومن الجميل أن لايوضع دائما الحمل على الدولة في مواجهة ارتفاع الأسعار . لماذا ؟
لأن ثقافة المستهلك مهمة ويجب أن ننميها لدي الصغير قبل الكبير , فحين يزداد سعر سلعة نستطيع الاستغناء عنها ونبدلها بغيرها أو نتوقف عنها .
طبعا هذا لا ينفع مع بعض السلع الضرورية التي نعتاش عليها , ولكنه حل ناجح في سلع كثيرة . كما نقل عن الخليفة عمر بن الخطاب عندما اشتكى له الناس من ارتفاع سعر إحدى السلع فقال أرخصوه , أي اتركوه عند بائعه وسيخفض سعره بعد اعراض الناس عنه .
ذكر لي أحد الاصدقاء وقد عاش مدة طويلة في أمريكا , أنه كان في إحدى القرى , يقول وكنا نشتري العنب من محل فواكة من انتاج محلي بسعر زهيد . يقول بعد مدة جاءت شركة لصناعة (الخمور) واتفقت مع صاحب المحل وهو نفسه صاحب المزرعة المنتجة للعنب أن تشتري 70% من انتاجه من العنب بنفس السعر . فوافق ثم بدأ يبيع العنب في محله بزيادة ربع دولار أمريكي , يقول فنضم سكان القرية اتفاق ضد بائع الفواكة بعدم شراء العنب منه بتاتا . يقول صديقي بعدها باسبوع عادت الاسعار لما كانت عليه !
ولكن نحن لا نعمل بهذه السياسة اطلاقا في حياتنا ولانعترف بها . بل نبادر دائما بالشراء حتى في الكماليات ولا نبالي ثم نشتكي انخفاض الرواتب وزيادة الأسعار .
هذا باختصار وبدون تعمق علمي هو التضخم من جانب واحد تقريبا , وإلا فالتضخم له تعريفات وأنواع مسببات من مدارس وعلماء مختلفين . وله أيضا علاقات مع سعر صرف العملة ومع الكساد .